هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أسرار كلمة لاإله إلا الله

اذهب الى الأسفل

أسرار كلمة لاإله إلا الله Empty أسرار كلمة لاإله إلا الله

مُساهمة من طرف راجية لرضى الرحمن الإثنين أغسطس 18, 2008 10:15 am

أخيرا أسرار كلمة لاإله إلا الله
أتمنى أن يكون فيها الفائدة
قال الله سبحانه وتعالى:" فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات" محمد:19.
اعلم أن الله تعالى قدم الأمر بمعرفة التوحيد على الأمر بالاستغفار والسبب فيه أن معرفة التوحيد إشارة إلى علم الأصول والاشتغال بالاستغفار إشارة إلى علم الفروع والأصل يجب تقديمه على الفرع فإنه مالم يعلم وجود الصانع امتنع القيام بطاعته و خدمته . وهذه الدقيقة معتبرة في آيات كثيرة:
أولها: أن إبراهيم عليه السلام لما اشتغل بالدعاء قدم المعرفة على الطاعة فقال :"رب هب لي حكما و الحقني بالصالحين" الشعراء:83. فقوله:"هب لي حكما" إشارة إلى استكمال القوة النظرية بمعرفة حقائق الأشياء وقوله :" وألحقني بالصالحين " إشارة إلى استكمال القوة العلمية بالاجتناب عن طرفي الإفراط و التفريط فقدم العلم على العمل
ثانيها: أنه تعالى لما أوحى إلى إلى موسى عليه السلام راعى هذا الترتيب فقال:" وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري".طه:14-13. فقوله:"لاإله إلا أنا " إشارة إلى علم الأصول وقوله :"فاعبدني" إشارة إلى علم الفروع.
وثالثها: ان عيسى عليه السلام لما أنطقه الله تعالى في وقت الطفولية قال:"إني عبد الله آتاني الكتاب" مريم :30. فقوله" إني عبد الله" إشارة إلى علم الأصول وقوله "آتاني الكتاب" إشارة إلى علم الفروع فإن احتياجه إلى الكتاب إنما يكون في معرفة الأحكام والشرائع لا في معرفة ذات الله تعالى وصفاته.
ورابعها: الآية التي نحن فيها .
ولانزاع في أن أفضل الأنبياء والرسل عليهم السلام هؤلاء الأربعة فلما ثبت أن الله تعالى قدم الأمر بمعرفة الأصول على معرفة الفروع في حق هؤلاء الأنبياء المكرمين ثبت أن الحق الصحيح الصريح ليس إلا ذلك. وممايؤكد ذلك وجوه أخرى.
• الوجه الأول:
أن أكثر المفسرين أجمهوا على أن أول آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم هي قوله :" اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق*اقرأوربك الأكرم *الذي علم بالقلم*علم الإنسان مالم يعلم"العلق:1-5. وهذه الآيات مشتملات على دلائل التوحيد وذلك لأن أظهر دلائل الدالة على وجود الصانع الحكيم: تولد الإنسان من النطفة. ثم إنه تعالى نبه في هذه الآيات على لطيفة عجيبة ولايتأتى شرحها إلا في معرض السؤال والجواب.
فإذ قال القائل: لابد من رعاية النظم بين اجزاء الكلام وههنا ذكر أنه تعالى يولد الإنسان من النطفة فقال:" الذي خلق خلق الإنسان من علق" ثم ذكر بعده انه "علم الإنسان مالم يعلم" فأي مناسبة بين هذين الامرين؟
والجواب: أن أخس مراتب الإنسان وأدناها: العلقة وذلك لأنه يستقذرها كل أحد. وأعلى المراتب وأشرفها: كون الإنسان عالما محيطا بحقائق الأشياء كأنه قال: عبدي تأمل إلى أول حالك حين كنت علقة وهي أخس الأشياء وإلى آخر حالك حين صرت ناطقا عالما بحقائق الأشياء وهو أشرف المراتب حتى يظهر لك أنه لايمكن الانتقال من تلك الحالة الخسيسة إلى هذه الدرجة الرفيعة الشريفة إلا بتدبير أقدر القادرين وأحكم الحاكمين سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون .
• الوجه الثاني:
أنه تعالى مدح المؤمنين في سورة البقرة من أول السورة إلى قوله:" وأولئك هم المفلحون" البقرة:5. وذم الكافرين في آيتين : أولهما قوله :"إن الذين كفروا" إلى قوله:" ولهم عذاب عظيم" البقرة 6-7. ثم ذم المنافقين في ثلاث عشرة آية :أولها قوله تعالى:"ومن الناس من يقول آمنا بالله" إلى قوله "ياأيها الناس اعبدوا ربكم"البقرة: 8-21. ثم لما مدح المؤمنين وذم الكافرين والمنافقين كأنه قيل : هذا المدح والذم لايستقيمان إلا بتقديم الدلائل على إثبات التوحيد والنبوة والمعاد فإن أصول الإسلام هي هذه الثلاثة. فلهذا السبب بين الله تعالى صحة هذه الأصول بالدلائل القاطعة.
فبدأ أولا بإثبات الصانع و توحيده وبين ذلك بخمسة أنواع من الدلائل :
أولها أنه استدل على التوحيد بأنفسهم وإليه الإشارة بقوله:" اعبدوا ربكم الذي خلقكم" البقرة:21.
وثانيها بأحوال آبائهم وأجدادهم وإليه الإشارة بقوله:"والذين من قبلكم" البقرة:21. وثالثها باأحوال أهل الأرض وإليه الإشارة بقوله:"الذي جعل لكم الأرض فراشا " البقرة:22. ورابعها بأحوال أهل السماء وإليه الإشارة بقوله:" والسماء بناء" البقرة:22. وخامسها بأحوال الحادثة المتعلقة بالسماء والأرض وإليه الإشارة بقوله:" وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم" البقرة:22. فإن السماء كالأب والأرض كالأم ينزل المطر من صلب السماء إلى رحم الأرض فيتولد منها أنواع النبات ولما ذكر هذه الدلائل الخمسة رتب المطلوب عليها فقال:"فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون" البقرة:22.
وذلك أن هذه الدلائل تدل على وجود الصانع من وجه وعلى كونه تعالى واحد من وجه آخر فإنها من حيث أنها حدثت مع جواز ألا تحدث ومع جواز أن تحدث على خلاف ماحدثت به يدل على وجود الصانع القادر ومن حيث أنها حدثت لا على وجه الخلل والفساد دلت على وحدة الصانع القادر كما قال تعالى:" لو كان قيهما آلهة إلا الله لفسدتا "الأنبياء:22. فلهذا السبب ذكر بعج تلك الدلائل الخمسة ذينك المطلوبين أحدهما إقبات الصانع والثاني إثبات كونه واحدا لأن قوله تعالى :" فلا تجعلوا لله أندادا " البقرة :22. يشتمل على إثبات الإله وعلى إثبات كونه واحدا .
ثم ههنا لطيفة أخرى مرعية في هذه الآية وهي أن الترتيب الحسن المفيج في التعليم أن يقع الابتداء في التعليم من الأظهر فالأظهر مرتقيا إلى الأخفى فالأخفى . وهذه الدقيقة مرعية في هذه الآية وذلك أنه سبحانه وتعالى قال:" اعبدوا ربكم الذي خلقكم" .فجعل استدلال كل عاقل بنفسه مقدما على جميع الاستدلالات لأن اطلاع كل أحد على أحوال نفسه أتم من اطلاعه على أحوال غيره فسيجد بالضرورة من نفسه أنه تارة يكون مريضا وتارة صحيحا وتارة ملتذا وتارة متألما وتارة شابا وتارة شيخا والانتقال من بعض هذه الصفات إلى غيرها ليس باختيار أحد من البشر.
وأيضا فقد يجتهج في طلب كل شيء فلا يجد وكثيرا ما يكون غافلا عنه فيحصل وعند ذلك يعلم كل أحد عنج نقض العزائم وفسخ الهمم أنه لابد من مدبر للكون تدبيره فوق تدبير البشر. وربما اجتهد العاقل الذكي في الطلب فلا يجد والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب فعند هذه الاعتبارات يلوح له صدق قول الشافعي :
ومن الدليل على القضاء كونه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
ويظهر له أن هذه المطالب إنما تحصل وتتيسر بناء على قسمة قسام لا يمكن منازعته ولامغالبته كما قال سبحانه وتعالى :" نحن قسمنا بينهم معيشتهم"الزخرف:32.
ثم إن هذه الاعتبارات غير محصورة فتارة كما في قوله تعالى :" أمن يجيب المضطر إذا دعاه " النمل :62. وأخرى كما في قوله :" قل من يكلؤكم بالليل والنهار " الأنبياء:42. وبالجملة فلما كان اطلاع كل أحد على أحوال نفسه أشد من اطلاعه هلى أحوال غيره لاجرم قدم خذا الدليل على سائر الدلائل .
ثم هذه المراتب يتلوها مرتبة أخرى وهي علم كل أحد بأحوال آبائه وأجداده وأهل بلده . ثم هذه المرتبة الثانية تتلوها مرتبة ثالثة وهي معرفة الإنسان بأحوال الأرض التي هي مسكن الخلائق فإنها مختلفة الأجزاء كما قال تعالى:" وفي الأرض قطع متجاورات" الرعد:4 . وقال أيضا" ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود" فاطر:27 . ثم هذه المرتبة الثالثة تتلوها مرتبة رابعة وهي العلم بأحوال الأفلاك فإن بعضها يخالف بعض في العلو والسفل والصغر والكبر والبطء والسرعة واختلاف أحوال الكواكب المذكورة فيها كما قال:" كل في فلك يسبحون" الأنبياء:33. وقال:" رب المشرق والمغرب"المزمل :9. وقال:" رب المشرقين ورب المغربين "الرحمن:17. وقال:" والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره "الأعراف:54. وقال:" تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا" الفرقان :61. وقال في سورة نوح:" ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا " نوح:15-16. وقال:" لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" يس:40. وقال:" فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس" التكوير:15-16. ثم بعج هذه المرتبة الرابعة مرتبة خامسة وهي الأحوال المنزلة من السماء غلى الأرض وهي نزول المطر من صلب السماء ووقوعه في رحم الأرض ثم بعد ذلك يحدث في الأرض الواحدة أنواع من النبات بحيث يخالف كل واحد منها صاحبه في الشكل والطعم والخاصية فمنه ما يكون قوتا ومنه مايكون فاكهة ومنه ما يكون دواء ومنه مايكون إداما ومنه مايكون سما ومنه مايكون علفا لسائر الحيوانات فذكر في تفصيل المطعومات قوله :" أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم" عبس:25-23 . وقال :" إن الله فالق الحب والنوى " الأنعام:95.
بل إذا نظرت إلى ورقة واحدة من أوراق الورد وجدت أن أحد وجهيها في غاية الحمرة والوجه الآخر في غاية الصفرة مع أنها تكون في غاية الرقة وقلة الثخانة ونحن نعلم بالضرورة أن نسبة تأثير الكواكب وحركات الأفلاك والطبائع إلى كل واحد من وجهي تلك الورقة الرقيقة جدا من الورد نسبة واحدة.
فاختصاص أحد وجهي تلك الوردة بالحمرة والآخر بالصفرة لابد وأن يكون لأجل القادرالمختار الذي يفعله بالعلم والقدرة لابالعلية والطبيعة.
وإذا عرفت ذلك ظهر لك أن الله تعالى في ترتيب هذه الدلائل الخمسة وتقديم بعضها على بعض حكمة بالغة وأسرارا مرعية فسبحان من لانهاية لعلمه ولاغاية لحكمته.
ثم إن الله تعالى لما بين دلائل إثبات الصانع ووحدانيته أردف هذه المسألة بمسألة إقامة الدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم:" وإن كنتم في ريب مما نزلنا فأتوا بسورة من مثله" البقرة:23. وذلك لأن المتحدي به وقع بكل القآن في قوله:" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذه القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" الإسراء:88. فلما عجزوا عن معارضة كل القرآن أتبعه بالتحدي بعشر سور من القرآن فقال:" فأتوا بعشر سور مثله مفتريات " هود:13. فلما عجزوا عنه أبعه بالتحدي بسورة واحدة قال :" فأتوا بسورة من مثله" البقرة :23. فلما عجزوا أتبعه بالتحدي:" فليأتوا بحديث مثله" الطور :34. فلما عجزوا عنه مع توفر الدواعي ظهر كونه معجزا باهرا وبرهانا قاهرا.
ثم إنه أتبع هذه المسألة بمسألة المعاد وهي قوله:" وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من بحتها الأنهار" البقرة :25. كأنه قيل :إنما قدمنا مدح المؤمنين وذم الكافرين والمنافقين ولو لم يكن معاد يجد المحسن ثمرة إحسانه ويجد المسيء عاقبة إسائته لم يكن ذلك لائقا بحكمته . وهذا ههو المراد من قوله :" ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى"النجم:31. وقال في سورة طه:"وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى" طه:14-15. وقال:" أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار"ص:28.
فظهر بما ذكرنا أنه تعالى لم يذكر في أول كتابه إلا دلائل التوحيد والنبوة والمعاد فثبت أنه لابد من تقديم الأصول على الفروع فلهذا السبب قدم الأمر بالتوحيد على الأمر بالاستغفار فقال:" فاعلم أنه لاإله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين" محمد:19.
راجية لرضى الرحمن
راجية لرضى الرحمن
عضو "ماسي" نفخر به
عضو

عدد الرسائل : 206
العمر : 36
المزاج : متلخبط
مزاجات : أسرار كلمة لاإله إلا الله Moasel
تاريخ التسجيل : 24/06/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أسرار كلمة لاإله إلا الله Empty رد: أسرار كلمة لاإله إلا الله

مُساهمة من طرف راجية لرضى الرحمن الإثنين أغسطس 18, 2008 10:15 am

• الوجه الثالث في تقرير هذا الأصل:
أنه تعلاى قال في أول سورة النحل :" ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لاإله إلاأنا فاتقون". النحل:2.
فقوله لاإله إلا أنا إشارة إلى علم الأصول وقوله فاتقون إشارة إلى علم الفروع.
• الوجه الرابع:
أن موسى عليه السلام لما ادعى الرسالة عند فرعون قال له فرعون:" وما رب العالمين" الشعراء:23. يعني: إن رسالتك متفرعة على إثبات أن للعالم إلها فما الدليل عليه؟ ثم إن موسى عله السلام لم ينكر عليه هذا السؤال بل اشتغل بذكر الدلائل على وجود الصانع فقال:"ربكم ورب آبائكم الأولين " الشعراء:26. فاستدل على وجود الصانع أولا بأحوال نفسه وثانيا بأحوال آبائه وهو نظير قوله في سورة البقرة :"اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذ ين من قبلكم"البقرة:21.
فظهر بما ذكرنا من الوجوه الفائدة في أنه تعالى ذكر أولا قوله :"فاعلم أنه لاإله إلا الله ". وذكر ثانيا قوله :"واستغفر لذنبك". والله أعلم بحقائق كتابه..
فهذامايتعلق بالدلائل القرآنية الدالة على وجوب تقديم علم الأصول على علم الفروع. ويؤكد هذا المعنى بعشر حجج أخرى:
1. الحجة الأولى:
وهي أن شرف العلم بشرف المعلوم فمهما كان المعلوم أشرف كان العلم الحاصل به أشرف ولما كان أشرف المعلومات ات الباري تعالى وصفاته وجب أن يكون معرفته وتوحيده أشرف العلوم.
2. الحجة الثانية:
أن العلم إما أن يكون دينيا أو يكون غير جيني ولا شك أن العلم الديني أشرف من غير الديني . وأما العلم الديني فإما أن يكون علم الأصول أو ماعاداه . أما ماعدا علم الأصول فإن صحته متوقفة على صحة علم الأصول لأن المفسر إنما يبحث عن معاني كلام الله تعالى وذلك فرع على معرفة الصانع المختار المتكلم . وأما المتحدث فإنما يبحث عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فرع على إثبات نبوته. والفقيه يبحث عن أحكام الله تعالى وذلك فرع على ثبوت التوحيد والنبوة. فثبت أن هذه العلوم مفسرة إلى علم الأصول . وظاهر أن علم الأصول غني عنها بأسرها فوجب أن يكون علم الأصول أشرف.
3. الحجة الثالثة:
أن شرف الشيء قد يظهر بواسطة خساسة ضده فكلما كان ضده شيئا أخس كان هو أشرف ولاشك أن ضد علم الاصول هو الكفر والبدعة وهما من أخس الأشياء فوجب أن يكون علم الأصول من أشرف العلوم .
4. الحجة الرابعة:
أن شرف العلم تارة يكون لشرف موضوعه وتارة لشدة الحاجة إليه وتارة لقوة براهينه ودلائله وذلك أن علم الهيئة أشرف من علم الطب مع أن الحاجة إلى الطب أشد وعلم الحساب أشرف منهما من حيث أن موضوع علم الهيئة أشرف من موضوع علم الطب وإن كان علم الطب أشرف من حيث أن براهين هذا العلم أقوى. وعلم الأصول مجتمع لهذ الخصال.
أما شرف هذا الموضوع فذلك لأن المبحوث عنه ذات الله تعالى وصفاته وقدرته وعظمته ولا شك في أنه أشرفوأما شدة الحاجة إليه فظاهر وذلك لأن الحاجة إما في الدين وإما في الدنيا.
أما في الدين فلأن من عرف هذه المطالب يستحق الثواب العظيم ويتخلص من العقاب الأليم ويصير من زمرة الملائكة المقربين في جوار رب العالمين . ومن جهلها صار محروما من الثواب العظيم مستوجبا للعقاب الأليم وصار من زمرة الأبالسة والشياطين وبقي في دركات الضلالة أبد الآبدين ودهر الداهرين.
وأما في الدنيا فلأن معظم مصالح العالم إنما تنتظم بسبب الرغبة في الثواب والرهبة من العقاب وإلالوقع الهرج والمرج في العالم.
وأما قوة براهين هذا العلم فلأن براهينه مركبة من المقدمات البديهية الضرورية وهي أقوى العلوم والمعارف..فثبت أن علم الأصول مستجمع خصال الشرف فوجب أن يكون أشرف العلوم.
5. الحجة الخامسة:
أن هذا العلم لايتطرق غليه النسخ و التغيير ولايختلف باختلاف النواحي والأمم بخلاف سائر العلوم فوجب أن يكون أشرف العلوم.
6. الحجة السادسة:
أن الإنسان لايكون من أهل النجاة والدرجات إلامع هذا العلم وقد يكون من أهل النجاة وإن لم يعلم شيئا من الفقه أصلا البتة. أما أنه لابد في النجاة من علم الأصول فلأن الجاهل بالله البتة لايكون من أهل النجاة بالإجماع. وأما أنه قد تحصل النجاة بدون الفقه فلأن الإنسان قبل البلوغ لايكون مكلفا بشيء من الأعمال فإذا بلغ وقت الضحوة الكبرى ففي هذه الساعة لم يجب عليه شيء من الصلوات والزكوات والصيامات وسائر العبادات.
فلو مات في هذه الساعة مع المعرفة والتوحيد لقى الله مؤمنا حقا . ولو قدرنا أن هذا الذي بلغ امرأة ثم لما بلغت حاضت وبقيت مدة أخرى في البلوغ وهي غير مكلفة لا بالصلاة و لا بالصيام ولا بالقراءة فإذا انقضى زمان حيضها وماتت فهي قد لقيت حضرة الله تعالى مؤمنة حقا. فعلمنا أن النجاة واستيجاب الدرجات لايتوقف على الفقه وهو موقوف على علم الأصول.
7. الحجة السابعة:
أن الآيات المشتملات على دلائل علم الأصول أقوى في الدلالات على وحدانية الله تعالى من الآيات المشتملة على دلائل علم الفروع بدليل أنه قد جاء في فضيلة " قل هو الله أحد" الإخلاص:1. و" آمن الرسول" البقرة:285. وآية الكرسي و"شهد الله" آل عمران:18. مالم يجيء في فضيلة قوله تعالى :" ويسألونك عن المحيض" البقرة :222. "وأحل الله البيع "البقرة:275. "ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين" البقرة282. الآية. ولذلك فإن الزهاد والعباد يواظبون في شرائف الاوقات على قراءة هذه الآيات المشتملة على الإلهيات دون الآيات المشتملة على الأحكام.
8. الحجة الثامنة:
أن الآيات الواردة في الأحكام الشرعية
اقل من ستمائة آية وأما اللواتي في بيان التوحيد والرد على عبادة الأوثان وأصناف المشركين وفي إثبات النبوات والمعاد ومسألة القضاء والقدر فكثيرة.
وأما الآيات الواردة في القصص فالمقصود منها إما التوحيد وإما النبوة. أما التوحيد فهو الاستدلال على قدرة الله وعظمته وحكمته كما قال :"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي ال
ألباب ماكان حديثا يفترى" يوسف:111. وأما على النبوة فمن وجهين:
الأول: بألفاظ مختلفة طكما قال في سورة الشعراء بعدذكر القصص:"وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين"الشعراء:194-192. ووجه الاستدلال: أن عليه السلام لما لم يتعلم علما ولم يقرأ كتابا ولم يتلمذ لأستاذ استحال منه رواية القصص إلا عن وحي الله وتنزيله.
والثاني: أنه يذكر القصة الواحدة مرارا مختلفة بألفاظ مختلفة وكل ذلك متشابهة في الفصاحة مع أن الفصيح إذا لاذكر القصة مرة واحدة بالألفاظ الفصيحة عجز عن ذكرها بعينها مرة أخرى بالألفاظ الفصيحة فيستدل بفصاحة الكل على كونها من عند الله لا من عند البشر. فدل ذلك على أن معظم القرآن في علم الأصول فلنشر إلى معاني الدلائل:
أما دلائل التوحيد فتارة بانخلاق الإنسان من النطفة-والله تعالى ذكر هذا الدليل أكثر من ثمانين مرة في القرآن- وتارة بدلائل الآفاق وهي أحوال الأرض والسماء والهواء والنبات, وهي أظهر من أن تحتاج إلى شرح.
وأما الدلائل الدالة على الصفات فنقول: أما الذي يدل على العلم فقوله تعالى:" إن الله لايخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" آل عمران:5. ثم أردفه بقوله:" هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء"آل عمران:6. وهذا دليل المتكلمينفإنهم يستدلون بأحكام الأفعال وإتقانها على علم الفاعل وههنا استل سبحانه بتصوير الصور في ظلمات الأرحام على كون الفاعل عالما.
وقال أيضا:"ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"الملك:14. وهوغني عن تلك الدلالة. وقال:"وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلاهو" الأنعام:59. وهذا التنبيه للدلالة على كونه تعالى عالما بكل المعلومات لأنه تعالى يخبر عن المغيبات فتقع تلك الأشياء على وفق ذلك الخبر وذلك يدل على كونه عالما بكل المغيبات.
وأما صفة القدرة فكل ما ذكر الله تعالى في القرآن من الثمرات النختلفة والحيوانات المختلفة مع استواء تأثير الطبائع والأفلاك فإنه يدل على صفة القدرة. وسيجيء الاستقصاء في هذه الدلائل القرآنية.
راجية لرضى الرحمن
راجية لرضى الرحمن
عضو "ماسي" نفخر به
عضو

عدد الرسائل : 206
العمر : 36
المزاج : متلخبط
مزاجات : أسرار كلمة لاإله إلا الله Moasel
تاريخ التسجيل : 24/06/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أسرار كلمة لاإله إلا الله Empty رد: أسرار كلمة لاإله إلا الله

مُساهمة من طرف راجية لرضى الرحمن الإثنين أغسطس 18, 2008 10:16 am

9. الحجة التاسعة:
أنه تعالى حكى عن أكثر الأنبياء عليهم السلام أنهم كانوا طول عمرهم مشتغلين بهذه الدلائل ولنذكر ماينبه على المقصود:
أما الملائكة عليهم السلام فإنهم لما قالوا :"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" البقرة:30. فكأن المراد من خلق هؤلاء ليكونوا سبب الشر والفتنة وذلك قبيح والحكيم لا يفعل القبيح. فأجابهم الله تعالى بقوله:"إني أعلم مالا تعلمون" البقرة30. والمعنى والله أعلم: إني لما كنت عالما بكل المعلومات كنت قد علمت في خلقهم وإيجادهم حكمة لاتعلمونها أنتم. فلما سمعوا ذلك سكتوا.
وأما مناظرة الله جل وعلا مع إبليس فالقرآن ناطق بها .
وأما الأنبياء عليهم السلام فأولهم آدم عليه السلام وقد أظهر الله تعالى الحجة على فضله بأن أظهر علمه على الملائكة وذلك محض الاستدلال .
وأما نوح عليه السلام فقد حكى الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا :"يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا"هود:32. ومعلوم أن مجادلة الرسول مع الكفار لاتكون في تفاصيل الأحكام الشرعية, فلم يبق إلا أنها في التوحيد والنبوة. وأيضا فإنه عليه السلام لماأمرهم بالاستغفار في قوله:"استغفروا ربكم إنه كان غفارا" نوح:10. ففي الحال ذكرمايدل على التوحيد فقال:"ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا"نوح:15-16.
وأما إبراهيم عليه السلام فالاستقصاء في شرح أحواله يطول في هذا الباب وله مقامات:
أولها: مع نفسه وهو قوله:"فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي " الأنعام:76. إلى آخر الآية.فهذه طريقة المتكلمن فإنه استدل بأفولها على حدوثها ثم استدل بحدوثها على وجود محدثها. كما أخبر الله تعالى بقوله:"ياقوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا"الأنعام:79-78. ثم إن الله تعالى عظم شأنه بسبب ذلك فقال:" وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء" الأنعام:83. وأيضا ذكر في وقت دعائه ماهو محض الاستدلال وهو قوله:"الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين"الشعراء: 78-79. إلى آخر الآيات.
وثانيها: مناظرة إبراهيم مع أبيه وهي قوله:"ياأبت لم تعبد مالايسمع ولايبصر ولايغني عنك شيئا"مريم:42. إلى أخر الآيات.
وثالثها: حاله مع قومه تارة بالقول وأخرى بالفعل أما القول فقوله:"ماهذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" الأنبياء:52. وأما بالفعل فقوله تعالى:"فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون" الأنبياء:58.
ورابعها: حاله مع ملك زمانه حيث قال :"ربي الذي يحيي ويميت"البقرة:258. إلى آخر الآية فهذا كل مباحثة إبر اهيم عليه السلام في معرفة المبدأ.
وأما بحثه في معرفة المعاد فهو قوله:"رب أرني كيف تحيي الموتى"البقرة:260. إلى آخر الآية
واعلم أن موسى كان يقول في الاستدلال على نهج دلائل إبراهيم. وذلك أنه حكى في سورة طه أن فرعون قال له ولهارون:"فمن ربكما ياموسى " طه:94. فرد بقوله :"ربنا الذي أعطى طل شيء خلقه ثم هدى" طه:50 . وهذا هو الدليل الذي ذكره إبراهيم عليه السلام حيث قال:"الذي خلقني فهو يهدين" الشعراء:78.
ثم حكى الله تعالى عن موسى في سورة الشعراء أنه قال لفرعون:" ربكم ورب آبائكم الأولين" الشعراء:26. وهذا هو الذي عول عليه إبراهيم عليه السلام في قوله:" ربي الذي يحيي ويميت"البقرة:258. فلما لم يكتف فرعون بذلك وطالبه بدليل آخر قال موسى :" رب المشرق والمغرب"البقرة:258. وهذا هو الذي عول عليه إبراهيم عليه السلام في قوله:"فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب "البقرة:258. وهذاينبهك على أن التمسك بهذه الدلائل حجة هؤلاء الأنبياء عليهم السلام . ثم إن موسى عليه السلام عليه السلام لما فرغ من تقرير دلائل التوحيد قال:" أولو جئتك بشيئ مبين" الشعراء:30. وهذا يدل على ٍأنه عليه السلام إنما فرع بيان النبوة على بيان التوحيد والمعرفة.
وأما سليمان عليه السلام فله مقامان : أحدهما في بيان إثبات التوحيد والآخر في إثبات النبوة.
أما المقام الأول في إثبات التوحيد فهو في قوله تعالى حكاية عنه:"ألايسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ماتخفون وما تعلنون" النمل:25. وهذه الآية الدالة على وصف الله تعالى بالقدرة والعلم. أما القدرة:"ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض"وسمي الخبء بالمصدر وهو يتناول جميع أنواع الأرزاق وإخراجه من السماء بالغيث ومن الأرض بالنبات وتقريره ماقدمناه وأما العلم فيدل على ثبوته قوله :" ويعلم ما تخفون وما تعلنون"
واعلم أن المقصود من هذا الكلام الرد على من يعبلد الشمس وتلخيص الدلالة على قانون الجدل على وجهين: الأول الإله. ويجب أن يكون قادرا على إخراج الخبء ويكون عالما بالخفيات والشمس ليست كذلك فهي لاتكون إلها. وأما أنه سبحانه يجب أن يكون قادرا عالما على الوجه المذكور فكما أنه واجب الوجود لذاته فلا تختص قدرته وعلمه ببعض المقدورات وبعض المعلومات دون البعض. وأما ان الشمس ليست كذلك فلأنها جسم متناه وكل ماكان متناهيا في الذات كان متناهيا في الصفات.
وإذا كان الأمر كذلك امتنع أن تكون الشمس قادرة على إخراج الخبء وعالمة بالخفيات. وإذا لم يعلم من حالها كونها قادرة على جلب النفع ودفع المضار فهي ليست إلها فرجع حاصل هذا الدليل إلى ماذكره إبراهيم عليه السلام في قوله :"ياأبت لم تعبد مالا يسمع ولايبصر ولايغني عنك شيئا" مريم:42.
الوجه الثاني: أن هذا إشارة إلى دليل إبراهيم في قوله:"ربي الذي يحيي ويميت" البقرة:258. إلى آخر الآية. وبيانه: أنه سبحانه وتعالى هو الذي يخرج الشمس من المشرق إلى المغرب بعد أفولها فهذا هو المراد بإخراج الخبء في السماوات والأرض وهو المراد من قول إبراهيم عليه السلام :"لاأحب الآفلين"الأنعام: 76. ومن قوله:"فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب"البقرة:258. ومن قول موسى:"رب المشرق والمغرب"الشعراء:28.
وحاصل الكلام راجع إلى أن أفول الشمس وطلوعها يدلان على كون تحت تدبير مدبر قاهر فكانت العبادة لقاهرها ومدبرها والمتصرف فيها أحق.
وأما إخراج الخبء من الأرض فالمراد منه: إخراج النطفة من بين الصلب والترائب وهو المراد من قول إبراهيم عليه السلام:"ربي الذي يحيي ويميت"ومن قول موسى:"ربكم ورب آبائكم الأولين"الشعراء:26.
فإن قيل: إن إبراهيم وموسى عليهما السلام قدما دلائل النفس على دلائل الأفلاك.فإن إبراهيم عليه السلام قال:"ربي الذي يحيي ويميت" ثم قال:"فإن الله يأتي بالشمس من المشرق" وموسى عليه السلام قال:"ربكم ورب آبائكم الأولين" ثم قال:" رب المشرق والمغرب" ثم عكس سليمان هذا الترتيب فقدم دلائل السماوات على دلائل النفس فقال:" الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض" النمل:25.
فاعلم أن موسى وإبراهيم عليهما السلام كانت مناظرتهما مع من ادعى إلهية البشر.فإن نمروذ وفرعون كل منهما كان يدعي الإلهية فلا جرم ابتدأ إبراهيم وموسى بإبطال الإلهية للبشر ثم انتقلا إلى إبطال الإلهية للأفلاك . وأما سليمان عليه السلام فإنه كانت مناظرته مع من يدعي إلهية الشمس فإن الهدهد قال:" وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله" النمل:24. فلا جرم ابتدأ بذكر السماوات ثم ذكر الأرضيات.
ثم إن سليمان عليه السلام لما تمم دلائل التوحيد قال بعدها :"لا إله ألا هو رب العرش العظيم"النمل:26. والمراد أنه لما بين افتقار السماوات والأرض وسائر الأفلاك إلى مدبر خالق ذكر بعد ذلك أن كل ماكان جسما فهو مخلوق ومربوب سواء أكان عظيما أم صغيرا فقال:" لاإله إلاهو رب العرش العظيم " فهذا مقام سليمان عليه السلام في تقرير دلائل التوحيد.
وأما المقام الثاني الذي في تقرير دلائل النبوة فهو قوله تعالى حكاية عنه:" ياأيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن بأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر"النمل:40-38.
واعلم أن كثيرا من الناس قالوا : ذلك الشخص الذي قال:" أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " هو غير سليمان وظنوا أن الكاف في قوله :" آتيك " خطاب مع سليمان وعلى هذا التقدير لابد وأن يكون القائل غير سليمان إلا أن هذا ضعيف بل الصحيح عندنا أن الآتي بذلك العرش هو سليمان وذلك أنه عليه السلام قال:" أيكم يأتيني بعرشها" على سبيل التحدي فقال العفريت :" أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك" فقال سليمان عليه السلام للعفريت تقريرا لتحديه الذي ذكره أولا وكسرا للعفريت وإظهارا للمعجزة والذي يدل عليه وجوه:
الأول: أن سليمان عليه السلام ذكر دلائل التوحيد أولا ثم افتقر بعد ذلك إلى تقرير دلائل النبوة ومع بلقيس فإن سليمان قد كلفها الإقرار بالتوحيد والنبوةفلما ذكر دلائل التوحيد وجب عليه أن يذكر بعد ذلك دلائل النبوة وهذا معجز دال على النبوة فوجب جعله معجزا لسليمان عليه السلام حتى يتم الدليل.
الثاني: أن لفظة الذي موضوعة في اللغة للإشارة إلى شخص معين عند محاولة تعريفها بقصة معلومة والشخص المعروف بأن عنده علم الكتاب هو سليمان عليه السلام قال الله تعالى:" ففهمناها سليمان" الأنبياء:79. وقال:" وورث سليمان داود" النمل :16. فوجب انصرافه إليه. وأقصى مافي الباب أن آصف(يريد آصف بن برخيا وكان جليسا لسليمان عليه السلام كما جاء في الروايات) أيضا كان عالما بالكتاب إلا أن سلمان كان أعرف من آصف لأن الرسول أعرف بكلام الله من غيره فكان صرف اللفظ إلى سليمان أولى.
الثالث: أن إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصل لآصف دون سليمان لاقتضى ذلك تفضيل آصف عليه السلام وأنه غير جائز.
الرابع: أن سليمان لو افتقر في هذا الغرض إلى آصف لاقتضى قصور سليمان في أعين الحق.
الخامس: أن سليمان قال:"هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر" النمل:40. وظاهره يقتضي أن يكون ذلك المعجز قد أظهره الله تعالى بدعاء سليمان ..فهذا مايتعلق باشتغال سليمان عليه السلام بتقرير التوحيد والنبوة والله أعلم.
وأما عيسى عليه السلام فإنه أول ماتكلم شرح أمر التوحيد فقال:" إني عبد الله"مريم:30. وشهادة حاله دالة على صدق مقالته وهذه الكلمة الواحدة كانت جامعة لكل المقاصد.
أما دلالتها على التوحيد فإن إنطاق الطفل في زمان الطفولية لايتأتى إلا من الإله القادر على كل المقدورات وأما دلالتها على النبوة ففي دلالتها على براءة أمه من طعن اليهود فإنه لايليق بحكمة الحكيم تخصيص ولد الزنا بهذه الرتبة العالية والدرجة الشريفة ثم إنه عليه السلام بعد هذه الكلمة الوافية بتقرير كل الأغراض انتقل إلى بيان الشرائع فقال:" آتاني الكتاب وجعلني نبيا" الجاثية:24. أما محمد صلى الله عليه وسلم فاعلم أن اشتغاله بتقرير دلائل التوحيد والنبوة والمعاد أظهر من أن يحتاج فيه إلى المزيد تقرير وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان مبتلى بالرد على جميع فرق الكفار :
فالأول: الدهرية الذين كانوا يقولون:" ومايهلكنا إلا الدهر" الجاثية:24. والله تعالى أبطل قولهم فإنه خالق الدهر والزمان.
والثاني: الذين ينكرون القادر المختار والله تعالى أبطل قولهم بحدوث أنواع النبات وأصناف الحيوانات مع اشتراك الكل في تأثير الطبائع والأفلاك .
والثالث: الذين أثبتوا لله شريكا مع الله وذلك الشريك إما أن يكون علويا أو سفليا.
أما الشريك العلوي فمنهم من أثبت أن ذلك الشريك هو الكوكب والشمس والقمر والله تعالى أبطله بدليل الخليل وهو قوله:" لاأحب الأفلين " الأنعام:76. ومنهم من قال هو النور والظلمة والله تعالى أبطله بقوله:" الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور"الأنعام:1. ومنهم من قال: يزدان وأهرمن والله تعالى أبطله بقوله:"لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" الأنبياء:22. وبقوله:"إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا"الإسراء: 42. وبقوله:"ولعلا بعضهم على بعض"المؤمنون:91.
وأما الشريك السفلي فمنهم من قال بإلهية المسيح والله تعالى أبطله بقوله:" لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله " النساء:172. ومنهم من قال: إنه الوثن والله تعالى أبطله بقوله:"أفمن يخلق كمن لايخلق" النحل:17.
والرابع: الذين طعنوا في أصل النبوة وحكى الله تعالى عنهم قوله:"أبعث الله بشرا رسولا"الإسراء:94. ثم رد الله تعالى عليهم بقوله:"أهم يقسمون رحمة ربك" الزخرف:32.
والخامس:الذين طعنوا في التكليف تارة بأنه لا فائدة فيه والله تعالى رد عليهم بقوله:"إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها"الإسراء:7. وتارة أخرى بأن الحق هو الجبر وهو لاينافي صحة التكليف والله تعالى أجاب عنه بقوله:"لايسأل عما يفعل وهم يسألون"الأنبياء:23.
والسادس: الذين سلموا أصل النبوة وطعنوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن مملوء من الرد عليهم.
ثم إن طعنهم كان من وجوه: تارة بالطعن في القرآن من حيث أنه مشتمل على ذكر خسائس الحيوانات من البعوضة والنملة والذبابة فأجاب الله عنه بقوله:"إن الله لايستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها" البقرة:26.
وتارة بأن القرآن سحر وشعوذة فأجاب الله عنه بقوله:"فأتوا بسورة من مثله" البقرة:23.
وتارة بالتماس سائر المعجزات كقوله تعالى:"وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا" الإسراء:90. فأجاب الله عنه بقوله:"هل كنت إلا بشرا رسولا"الإسراء:93.
وذلك أن الدليل لما تم لم يبق للاقتراح في الزيادات فائدة وهو قوله تعالى:" سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا"
وتارة بأن هذا القرآن نزل نجما نجما بطريق التهمة.(يريد أن القرآن الكريم نزل منجما متفرقا حسب الوقائع والأحداث ولم ينزل جملة واحدة.) فأجاب الله بقوله:" كذلك لنثبت به فؤادك"الفرقان:32. وتارة بأنه يحتمل أن يكون هذا القرآن من إلقاء الجن والشياطين كما في سورة الشعراء فأجاب الله عنه بقوله:"هل أنبئكم على من تنزل الشياطين *تنزل على كل أفاك أثيم"الشعراء:222-221.
والسابع: الذين أنكروا الحشر والنشر والقرآن مملوء من الرد عليهم.
فثبت مماذكرنا أن الاشتغال بدليل التوحيد والنبوة حجة جميع الأنبياء عليهم السلام.
10. الحجة العاشرة على نهاية شرف هذا العلم:
قوله تعالى:"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" النحل:125. وليس المراد منه المجادلة في فروع الشرائع لأن من أنكر نبوته صلى الله عليه وسلم فلا فائدة من الخوض معه في تفاريع الأحكام ومن أثبت نبوته فلا يخالفه. فعلمنا بهذا أن الجدال المأمور به في تقرير دلائل الأصول. فإذا ثبت هذا في حق الرسول ثبت في حق أمته لقوله تعالى:"وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" الأنعام: 153. ولقوله:"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" آل عمران:31. وقوله عليه السلام:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي".
11. الحجة الحادية عشرة:
قوله تعالى:"ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولاهدى ولاكتاب منير" الحج:8. وذلك يقتضي أن الجدال مع العلم لايكون مذموما وأيضا حكى الله تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا:"يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا"هود:31. وإذا ثبت بهذا أن الجدال في تقرير الدلائل مستحسن, ثبت أن المراد من قوله تعالى:"ماضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون"الزخرف:58. محمول على ذم الجدال في تقرير الباطل.
12. الحجة الثانية عشرة:
أنه تعالى أمر بالنظر فقال:"أفلا يتدبرون القرآن"النساء:82. "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت"الغاشية:17."سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم"فصلت:53."أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" الرعد:41."أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض"الأعراف:185.
13. الحجة الثالثة عشرة:
أنه تعالى ذكر التفكر في معرض المدح فقال:"إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب"الزمر:21."إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار"آل عمران:13. وأيضا ذم المعرضين فقال:"وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" يوسف:105."لهم قلوب لايفقهون بها"الأعراف:179.
14. الحجة الرابعة عشرة:
أنه تعالى ذم التقليد فقال حكاية عن الكفار:"إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" الزخرف:23. وقال:" بل نتبع ماألفينا عليه آبائنا"البقرة:170. "بل وجدنا آبائنا كذلك يفعلون"الشعراء:74. وقال:"إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها"الفرقان:42. وقال والد إبراهيم عليه السلام:"لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا"مريم:46. وكل ذلك يدل على وجوب النظر وفساد التقليد .
راجية لرضى الرحمن
راجية لرضى الرحمن
عضو "ماسي" نفخر به
عضو

عدد الرسائل : 206
العمر : 36
المزاج : متلخبط
مزاجات : أسرار كلمة لاإله إلا الله Moasel
تاريخ التسجيل : 24/06/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أسرار كلمة لاإله إلا الله Empty رد: أسرار كلمة لاإله إلا الله

مُساهمة من طرف راجية لرضى الرحمن الإثنين أغسطس 18, 2008 10:17 am

15. الحجة الخامسة عشرة:
أنه تعالى حكى أنهم سألو محمدا صلى الله عليه وسلم عن أمور كقوله:"ويسألونك عن المحيض" البقرة:222. "يسألونك عن الأنفال" الأنفال:1. فذكر في هذه المواضع كذا وكذا إلافي آية واحدة وهي أنهم سألوه عن مسألة أصولية وهي قوله:"ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا"طه:105. الآية. فههنا حرف التعقيب يعني :يا محمد اذكر هذا الجواب في الحال لأن هذه المسألة أصولية ولايجوز تأخير الجواب عنها لأن ذلك يقدح في الإيمان أما سائر المسائل فإنها فروعية فلا يكون تأخير الجواب عنها إلى وقت الحاجة ضارا.
فثبت بجميع هذه الدلائل وجوب تقديم الأصول على الفروع فلا جرم .قال الله تعالى:"فاعلم أنه لاإله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"محمد:19. فقدم الأمر بمعرفة التوحيد على الأمر بالاستغفار والله أعلم.
من كتاب عجائب القرآن للإمام فخر الدين الرازي
راجية لرضى الرحمن
راجية لرضى الرحمن
عضو "ماسي" نفخر به
عضو

عدد الرسائل : 206
العمر : 36
المزاج : متلخبط
مزاجات : أسرار كلمة لاإله إلا الله Moasel
تاريخ التسجيل : 24/06/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى